أخبار وتقارير

بين القدس ورام الله.. تجارب متنوعة للتشكيلي السوري حمادة مداح

من القدس إلى رام الله، يحمل النحّات والأكاديمي السوري حمادة مداح تجاربه من فعالية إلى أخرى، يقدم فيها ورشًا لتعليم النحت، أو معارض تجمع بين أكثر من لون من ألوان الفن التشكيلي.

ومن المنتظر، خلال الفترة المقبلة، أن ينظم مدرس النحت بجامعة بيرزيت الفلسطينية، معرضًا فرديًا يجمع فيه بين النحت والتصوير، بمدينة رام الله، بعد أسابيع قليلة من معرض جماعي أقامه بمدينة القدس، أواخر الشهر الماضي، تحت عنوان: «إحياء»، واستضافته مؤسسة «حوش الفن الفلسطيني». وكان المعرض الأخير ختامًا لدورة في النحت، بمقر المؤسسة، امتدت لثلاثة أشهر، بمشاركة خمسة عشر متدربًا من الشباب الفلسطينيين.

في مقابلة مع «الفنار للإعلام»، يقول «مداح» إن فن النحت بالنسبة له يمثل أكثر من دراسة أكاديمية مشغولة بالتقنيات الفنية وحسب، وإنما بمثابة طاقة شعورية وتعبيرية تستطيع مخاطبة مختلف البشر، وليس فقط المتخصصين من دارسي الفنون.

اقرأ أيضًا: (التشكيلي إبراهيم البريدي يعيد عرائس «الليلة الكبيرة» إلى مسرح الحياة).

تخرج الفنان السوري، المولود في هضبة الجولان المحتلة، في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، في العام 2006. وما بين دراسته الفنون، وتدريسها في القاعات الجامعية، يحرص «مداح»، منذ العام 2012، على إطلاق مبادرات، وفعاليات لتعليم النحت بين أوساط متعددة من المتعلمين والهواة، باختلاف الفئات العمرية والخلفيات التعليمية.

«هذا المعرض له صبغة خاصة، حيث قدّم أعمالًا متنوعة تربط بين هذه الأعمال وأصحابها؛ فبعضهم يسترجع من خلال ذاكرته، باحثًا بين شقوق الطين عن شخوص وأفراد، وبعضهم استعان بالواقع ليوثق حكايات وقصصًا ملهمة، ويفرغ ما بداخله ببصمة فنية فريدة».

حمادة مداح، تشكيلي وأكاديمي سوري.

ويستند منهجه التعليمي للنحت إلى مرجعية تعود لجذور الثقافة الفلسطينية، حيث يرى أن هذا الفن لم يكن يومًا بعيدًا عن تاريخ تلك الثقافة، مضيفًا: «لدينا ثقافة وحضارة ضاربة في القدم، تعرفنا خلالها على التماثيل وفنون النحت بمختلف صوره».

العلاج بالفن

وفق حمادة مداح، فإن المشاركين في معرضه الأخير كانوا شبابًا، من الجنسين، ممن لم تتجاوز أعمارهم العشرين عامًا. ويقول إنهم شاركوا ليتعلموا النحت لأول مرة. كما يشير إلى الممارسة الفنية بحد ذاتها كنوع من العلاج بالفن.

ويضيف: «التعامل مع تشكيل الطين، في حد ذاته، شكل من أشكال العلاج بالفن (Art Therapy)، وهو جانب لا يمكن إغفال أهميتهالنفسية والوجدانية، بالإضافة إلى كونه فرع أصيل من فروع الفن، وله أصول وتقنيات». ويوضح أن المتدربين جاءوا من خلفيات دراسية وعملية متنوعة، ولديهم ضغوط متفاوتة، ولكن تجمعهم رغبة في التعلم، وتطوير قدرتهم على التعبير، وفق قوله.

من هؤلاء المشاركين، سارة أبو عيد، التي تدرس الحقوق بالمرحلة الجامعية. وعن تجربتها، تقول لـ«الفنار للإعلام» إن هذه هي مشاركتها الأولى في مجال الفنون. وتضيف: «أحببت خامة الطين كثيرًا، فهي إلى جانب قدرتها على تفريغ الطاقة، فهي كذلك مادة تذكرنا بالأرض والتاريخ وأجدادنا». وتوضح أنها تعلمت، إلى جانب كثير من تقنيات النحت، وتشكيل الطين، فكرة التعبير الحر. وتتابع: «هذا ما يتيحه لنا الفن، بالإضافة إلى منحنا القدرة على التواصل مع ذاكرتنا، فقد قمت، ضمن مشاركتي في المعرض، بنحت وجه جد جدتي بعد أن استعنت بصورة قديمة له. وكانت هذه التجربة من أجمل لحظاتي».

اقرأ أيضًا: (من «المسابقة الرمضانية».. التشكيلي الفلسطيني مصطفى الحلاج صاحب «ارتجالات الحياة»).

ولم تكن سارة أبو عيد وحدها التي تشعر بالامتنان لتجربتها، حيث تحكي أن جدتها زارت المعرض، وشعرت بسعادة بالغة عندما التقت الوجه المنحوت لجدها. وتعلق الشابة الفلسطينية: «عند تلك اللحظة، شعرت بتواصل قديم مع الأجداد عبر الفن».

مراحل التدريب على تعلم النحت

خلال مشاركتهم في الدورة التدريبية التي سبقت تنظيم المعرض، خاض المشاركون مراحل عدة، بداية من التعرف نظريًا على طبيعة مادة الطين، وتطور تعرف الإنسان، تاريخيًا، على تلك الخامة، وحتى تصنيعه للفخار، وتطور النحت عبر تاريخ الفن.

وشمل الجانب العملي، تكنيك النحت، والتعرف على تفاصيل الوجه البشري وكيفية نحت تفاصيله بدقة، كما درس المتدربون أساليب نحت الأقنعة، وتعرفوا على طرق التعبير عن الحيوانات ما بين الواقع والخيال، وكذلك التعبير الحر، والأسلوب التجريدي (Abstract) في النحت، بالإضافة إلى النحت بارز التفاصيل لنباتات شهيرة في فلسطين، مثل: الميرمية، والنعناع، والزيتون، كما يقول حمادة مداح.

ويضيف النحّات السوري: «هذا المعرض له صبغة خاصة، حيث قدّم أعمالًا متنوعة تربط بين هذه الأعمال وأصحابها؛ فبعضهم يسترجع من خلال ذاكرته، باحثًا بين شقوق الطين عن شخوص وأفراد، وبعضهم استعان بالواقع ليوثق حكايات وقصصًا ملهمة، ويفرغ ما بداخله ببصمة فنية فريدة، وبعضهم كانت أعماله لوحة، لا تريد أكثر من أن تزرع بعض الجمال وسط هذا الاضطراب».

خلال مشاركتهم في الدورة التدريبية التي سبقت تنظيم المعرض، خاض المشاركون مراحل عدة، بداية من التعرف نظريًا على طبيعة مادة الطين، وتطور تعرف الإنسان تاريخيًا على تلك الخامة، وحتى تصنيعه للفخار في استخداماته اليومية، وتطور استخدام الفخار والنحت عبر تاريخ الفن.

وقدّم كل مشارك في المعرض أكثر من خمسة أعمال، تبرز من بينها منحوتات لشخصيات بارزة من المشهد الثقافي العربي والفلسطيني، مثل الشاعر المصري الراحل أمل دنقل، والفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور، صاحب اللوحة الشهيرة «جمل المحامل»، والذي يعد من أبرز نحّاتي فلسطين الذين استعانوا بخامات من البيئة المحلية الفلسطينية منها الفخار، والطين على خشب. كما نجد بين الوجوه المنحوتة، ضمن أعمال المعرض، وجه المطربة الفلسطينية الراحلة ريم بنّا (1966-2018).

ويعلق «مداح» على مستوى مخرجات المعرض، قائلًا: «على الرغم من أن المنحوتات لمتدربين من المستوى الأول، إلا أن ملامحها واضحة، وليس مطلوبًا في تلك المرحلة أن تكون بالغة الدقة، فالنحت إلى جانب كونه تقنية إلا أنه صيغة للتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا وثقافتنا».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وثمة تجارب نوعية في مسيرة تلك المعارض التي ينظمها مدرس النحت بجامعة بيرزيت، مثل الورش وبرامج تعليم النحت التي سبق وقدمها للأطفال والمكفوفين. وعن تلك التجارب، يقول إنه تعلم، مع المشاركين، أن كل شخص قادر على أن يقدم فنًّا بطريقته الخاصة والفردية. ويضيف أنه استفاد كثيرًا، من تلك الورش، على المستوى الشخصي، مشددًا على أن علاقة الفن بالمكفوفين «لا يجب أن تكون قاصرة على البعد البصري فقط، وإنما هي طاقة تعبيرية، فالنحت يعتني بالمشاعر الداخلية للإنسان».

اقرأ أيضًا:

ابحث عن أحدث المنح الدراسية عبر موقعنا من هنا، وشاركنا النقاش عبر مجموعتنا على «فيسبوك» من هنا، وللمزيد من المنح، والقصص، والأخبار، سارع بالاشتراك في نشرتنا البريدية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى