مقالات رأي

مستقبل تدريس الإعلام في الجامعات العربية.. قراءة في التحديات والحلول

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

يمر العالم الآن بالكثير من التحولات التي لا يمكن أن يقف أمامها الأكاديمي، أو الأستاذ الجامعي مكتوف اليدين، بل ينبغي على مؤسسات التعليم العالي، والقائمين على وضع السياسات التعليمية، النظر بعين الاعتبار لهذه التحديات، على نحو يجعل البرامج التعليمية مرنة وقادرة على مواكبة هذه التحولات، وتساعد على تمكين الخريجين.

وفي مجال تدريس الصحافة والإعلام، هناك تحديات جوهرية تواجه مهنة الصحافة في ذاتها. ومن هذه التحديات، على سبيل المثال، قضية الأخبار الكاذبة، فقد نقلت «سكاي نيوز عربية»، في مطلع نيسان/أبريل 2021، تصريحًا لمحمد عمر، مدير شراكات الأخبار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشركة «فيسبوك»، يقول فيه إن الشركة أزالت أكثر من 12 مليون محتوى من منصاتها بـ«فيسبوك»، و«إنستغرام»، لما يتضمنه هذا المحتوى من معلومات مضللة، يمكن أن تؤدي إلى ضرر جسدي وشيك خلال شهور فقط.

الأخبار الكاذبة

وفي نفس الشهر، تبنت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خطة عمل للتصدي للمعلومات المضللة، بناءً على طلب أوكراني حظي بدعم واسع، ولكن ليس عالميًا. أكد مشروع القرار المقدم إلى منتدى جنيف، الذي رعته رسميًا أوكرانيا، واليابان، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، على الدور الأساسي الذي تلعبه الحكومات في مواجهة الروايات الكاذبة. وأمام إحصاء «فيسبوك» السابق بشأن المحتوى الذي يتضمن معلومات مضللة، يبرز التساؤل حول الكم المتوقع من الأخبار الكاذبة والمضللة التي تنتشر عبر شبكات التواصل كافة، وعن الدور المنوط بخريجي كليات الإعلام في مكافحة الأخبار الكاذبة والمضللة.

الاهتمام بدعم الفكر الابتكاري والريادي داخل عقول طلاب الصحافة والإعلام هو السبيل الأمثل لمواجهة تحدي المنافسة في سوق العمل، واختفاء فرص التوظيف.

إن مفهوم التحقق من الأخبار ينبغي أن يصبح ثقافة عامة لدي المواطنين، لكن هل يتم تناول محتوى علمي أكاديمي دقيق خاص بطبيعة الأخبار الكاذبة؟ وكيفية التحقق من المصدر الرقمي؟ والبحث العكسي عن الصور؟ وتحليل مقاطع الفيديو وآليات تحديد الموقع الجغرافي، وتحليل الطقس، والظلال، والصورة وغيرها في مقررات الصحافة التي يتم تدريسها لطلاب المرحلة الجامعية الأولى في جامعاتنا العربية؟

إن الخريجين المتخصصين في العمل الصحفي هم المنوط بهم صناعة آليات التحقق، وبرامج الكشف عن الأخبار الكاذبة، علاوة على دورهم في إنشاء مراصد الأخبار الكاذبة، وتقويم الأداء الصحفي.

الذكاء الاصطناعي

التحدي الثاني الذي يواجه تدريس الإعلام في الجامعات العربية يتمثل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهي التي تغزو عالم الصحافة بلا هوادة،. فهل يمكن لخريج قسم الصحافة في العام 2023، وما بعده، أن يتخرج دون أن يكون مُلمًا بهذا الفرع العلمي المهم؟ وهل نفكر في إضافة مقررات خاصة بصحافة الذكاء الاصطناعي؟ وما هو شكل المقرر إذا اتفقنا على وجوده؟ وما هي حيثيته وأهدافه وفلسفته؟ وفي أي مرحله يتم تدريسه؟

وفي نقلة نوعية للعمل الصحفي كله، نتابع، كل يوم، صحافة الذكاء الاصطناعي وهي توظف تقنياتها المتنوعة، والكبيرة، مثل: التصوير، وإنترنت الأشياء، والروبوتات لإنتاج المحتوى الإعلامي الجديد، حيث يعمل الروبوت، الآن، في نقل الحدث، وتحليله، ويكتب عناوين إخبارية على الشاشات. وقد ظن البعض أننا نتحدث عن خيال علمي، ولكن هذا الأمر أصبح واقعًا.

وقد خرجت تقنيات الصحافة القائمة على الذكاء الاصطناعي من حيز صحافة البيانات، وصحافة الاستقصاء المحوسب، إلى كتابة أعمدة الرأي. كما يمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعي، القيام بالعديد من الأعمال اللي كانت ترهق الصحفيين، مثل تحليل البيانات المالية والإحصائيات، وإنتاج تقارير سريعة عنها، بالإضافة إلى قدرات الذكاء الاصطناعي، بتعلم الآلة، من إمكانية التنبؤ السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري. الروبوت يحلل السوشيال ميديا، ويتابع حسابات جماعات الإرهاب، ويتنبأ بأماكن وقوع عمليات، وظروف القلق والتوتر.

مثال على كل ذلك، استخدام «بلومبرج» الذكاء الاصطناعي، منذ العام 2019، لتوليد نحو ثلث المحتوى الذي ينشره موقعها الإلكتروني، وذلك عبر نظام خاص لمساعدة المحررين في نشر آلاف المقالات حول تقارير الأرباح، بحسب دراسة نشرها جونسان أندرياس، كما تعد وكالة «أسوشيتد برس» متقدمة في صحافة الروبوت، ورفعت الوكالة إنتاجها لتغطية تقارير الأرباح المالية من 300 مقالة كل ثلاثة أشهر إلى 3,700 مقالة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وكذلك لدى «واشنطن بوست»، روبوت خاص بها يدعى «هيليوجراف»، وقد نجح هذا الروبوت في تغطية الألعاب الأولمبية الصيفية، في العام 2016 بالبرازيل، والانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة.

إن الخريجين المتخصصين في العمل الصحفي هم المنوط بهم صناعة آليات التحقق، وبرامج الكشف عن الأخبار الكاذبة، علاوة على دورهم في إنشاء مراصد الأخبار الكاذبة، وتقويم الأداء الصحفي.

وفي هذا السياق، ذكرت «نيويورك تايمز» أن صحيفة The Guardian’s Australia نشرت مقالها الأول بمساعدة الروبوت، وهو سرد للتبرعات السياسية السنوية للأحزاب السياسية في البلاد، وهنا ننتقل إلى جانب آخر وغير تقليدي لكتابة مواد الرأي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وليس فقط الاستعانة بالروبوتات في تحليل البيانات الضخمة، أو سرد توقعات البورصة، أو مباريات كرة السلة.

وتقوم «فوربس»، الآن، باختبار أداة تسمى Bertie، لتزويد المراسلين بالمسودات الأولية ونماذج القصة، وفي سويسرا قامت شركة «تاميديا» بكتابة 40 ألف خبر صحفي حول نتائج الانتخابات أيضًا في أقل من 5 دقائق، وذلك باستخدام روبوت لتوليد النصوص يسمى «توبي»، حتى أسمته الصحفية ربيكا هيل ويل في مقال لها بأنه زمن Rise of the Reporting Machines، حيث تم ذلك باستخدام بيانات التصويت، والقوالب المعدة مسبقًا التي أنشأتها الشركة. وقد كُتبت أعمال «توبي» باللغتين الألمانية والفرنسية، وتمت ترجمتها، وقرأها أكثر من 100,000 شخص.

كما أطلقت «شينخوا»، منصة العقل الإعلامي  Xinhua’s Media Brain platformوهي منصة تدمج الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار، وتحريرها، وتوزيعها، وكذلك تحليل التغذية الراجعة حولها من قبل الجمهور.

كل هذه تحديات حقيقية إلى درجة حديث آني ويب، مديرة معهد «فيوتشر توداي» الأمريكي عن «تهديد وجودي» يشكله الذكاء الاصطناعي على الصحافة في المستقبل، فهل تقوم الأقسام الاكاديمية في جامعاتنا العربية بالنظر في الأمر علي نحو يعزز قدرات الخريجين في التفاعل مع هذه المتغيرات؟

سوق العمل

ومع كثرة التحديات التي تواجه تدريس الإعلام في الجامعات العربية، أختم هذا المقال بالتحدي الخاص بفرق العمل في السوق الإعلامي العربي، حيث إن تبني مفهوم ريادة الأعمال الرقمية يعد استجابة ضرورية، ومهمة، لكل الصعوبات التي تواجه الخريجين من أقسام الصحافة والإعلام.

إن تغيير البنية الفكرية لهؤلاء الخريجين، وتوجهاتهم، نحو سوق العمل، يعد أمرًا شديد الأهمية من وجهة نظري في 2023 وما بعدها، حيث أثبتت التجربة التي شهدناها كيف لشباب صغير السن، في العشرينات من العمر، أن يُغيّر بيئة العمل الإعلامي كاملة؛ فمارك زوكربيرغ لم يتوقع أن يصبح «فيسبوك»، كتاب الوجه، ما هو عليه الآن. والواقع أيضًا أنه لم يكن أيًّا من الشباب الثلاثة، تشاد هيرلي، وستيف تشين، وجاود كريم، الذين اجتمعوا في مدينة سان فرانسيسكو، يظن أن الفكرة التي وصلوا اليها، بإيجاد وسيلة تمكنهم من إرسال مقاطع الفيديو ذات الحجم الكبير لشبكة الإنترنت، ستتحول إلى موقع «يوتيوب»، ولذلك فإن الاهتمام بدعم الفكر الابتكاري والريادي داخل عقول طلاب الصحافة والإعلام هو السبيل الأمثل لمواجهة تحدي المنافسة في سوق العمل، واختفاء فرص التوظيف.

إن الجهود والمناقشات مستمرة من قبل الأكاديمين، وفي مختلف الروابط والمؤتمرات العربية، والهمُّ واحدٌ ومشترك بين المتخصصين، والفرص لا تزال سانحة، أُذكّرُ بها نفسي، وزملائي، لإعادة النظر، واقتناصها. وكما يقال: «تبقى الطريق هي الطريق، لكن تتفاوت الأقدامُ في الإقدام».

* أستاذ الإعلام بجامعة الإسكندرية.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى