أخبار وتقارير

جامعة القديس جاورجيوس في بيروت.. طموح أكاديمي يقاوم التحديات

في واحدة من تجليات الأزمة الاقتصادية اللبنانية على التعليم العالي في البلاد، تواجه جامعة القديس جاورجيوس، أحدث المؤسسات المنضمة إلى القطاع الجامعي، تحديات كبيرة، وخاصة بعدما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 95% من قيمتها، على مدار السنوات الثلاث الماضية.

ونتيجة لفرض البنوك قيودًا على عمليات سحب أموال المودعين، «لم يعد وقف إنشاء الجامعة متاحًا بشكل كامل». ويقول رئيس الجامعة، طارق متري، في مقابلة مع «الفنار للإعلام»: «في الواقع، فقدنا معظم وقفنا. لدينا موارد مالية محدودة، وبالتأكيد سيكون لدينا عجز لسنوات قادمة».

رسوم دراسية «معتدلة»

رغم ذلك، تتمسك الجامعة بالحفاظ على إبقاء الرسوم الدراسية لها، عند حدود معتدلة، لمنح عامة الناس إمكانية دراسة الطب، بحسب القائمين عليها. ويشرح «متري» هذه الرؤية قائلًا: «إذا كنت تقود مؤسسة تهدف لخدمة الشباب في لبنان، فإن التحدي يكمن في تقديم تعليم جيد بتكلفة معقولة»، مشيرًا إلى أن الجامعة، كمؤسسة حديثة النشأة، لا يمكنها فرض رسوم دراسية عالية لدراسة الطب، كما هو حال الجامعات المرموقة الراسخة، بحسب تعبيره.

اقرأ أيضًا: اقتصاديون يحذرون: أزمة لبنان تهدد مستقبل الجامعات

«لم يعد وقف إنشاء الجامعة متاحًا بشكل كامل. في الواقع، فقدنا معظم وقفنا. لدينا موارد مالية محدودة، وبالتأكيد سيكون لدينا عجز لسنوات قادمة».

طارق متري، رئيس جامعة القديس جاورجيوس في بيروت

واجتذبت الرسوم الدراسية «المعقولة» لجامعة القديس جاورجيوس (مقارنة بمؤسسات أخرى)، طلابًا تم قبولهم بالفعل في جامعات عريقة «تتطلب رسومًا دراسية أعلى بكثير»، وفق «متري». ومن بين 250 متقدمًا لكلية الطب، تم قبول 50 طالبًا فقط بالجامعة، 66% منهم من الإناث. ويأتي قرار القبول بعد إخضاع المتقدمين لمقابلات «صعبة»، وتقييم شامل.

هجرة أساتذة الجامعات

وأمام هجرة كثير من الكفاءات الأكاديمية، من الأساتذة والأطباء اللبنانيين، إلى الخارج، مدفوعين بصعوبة الأوضاع المعيشية، جراء الأزمة الاقتصادية، تواجه الجامعة الجديدة، مثل غيرها من الجامعات، نقصًا في طواقم التدريس.

وفي مواجهة هذا التحدي، تلجأ إدارة الجامعة إلى تعيين مدرسين، بدوام جزئي، من كلية الطب في الجامعة اللبنانية، والذين شهد دخلهم انخفاضًا كبيرًا بسبب أزمة العملة الوطنية. وقد مثّلت هذه المعطيات، تحديات مالية وإدارية كبيرة للمؤسسة الفتيّة التي فتحت أبوابها للدارسين منذ ثلاث سنوات فحسب.

جامعة القديس جاورجيوس

وتتخصص جامعة القديس جاورجيوس في بيروت، بالدرجة الأولى، في تقديم الدراسات الطبية، حيث ترتبط الجامعة بالمركز الطبي الجامعي التابع لمستشفى القديس جاورجيوس، وهو مؤسسة طبية عريقة أنشئت منذ 140 عامًا، من قبل أبرشية بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس.

ويقول طارق متري إن دور المستشفى كمركز للتعليم الطبي، لعب دورًا في قرار إنشاء الجامعة الجديدة؛ فبعد عقود من توظيفه بشكل تعليمي للمقيمين الطبيين، والمتدربين من كليات الطب في المؤسسات التعليمية الأخرى، أنشأ المستشفى جامعته الخاصة، ليقدم برامج دراسية، عبر كلياتها المتنوعة، وتشمل تخصصاتها: الطب، والتمريض، والآداب والعلوم، وإدارة الأعمال.

طلاب بأحد الفصول الدراسية في جامعة القديس جاورجيوس في بيروت (بإذن من المصدر).

وعن الجمع بين ممارسة الطب، والاشتغال بالبحث العلمي، يرى رئيس الجامعة أنه من المفترض أن يعمل أطباء المستشفيات الجامعية في مجَالي البحث والتعليم؛ فكل طبيب معلمٌ، وفق قوله.

مؤسسة صغيرة متخصصة

بدأت عملية إنشاء جامعة القديس جاورجيوس، قبل وقت قصير من تفاقم الأزمة الاقتصادية، مما أثار تساؤلات حول إمكانية، وفرص بقاء الجامعة الجديدة في بلدٍ صغير يمتلك بالفعل نحو 50 مؤسسة للتعليم العالي. وعن ذلك، يقول «متري»: «نحن لا نسعى للتنافس مع مؤسسات أخرى. لكننا أردنا امتلاك جامعة صغيرة ومتخصصة تلبي احتياجات معينة».

وعبر إنشاء جامعته الخاصة، يحاكي مستشفى القديس جاورجيوس، المؤسسات الطبية المشهورة عالميًا، مثل «مايو كلينك» و«كليفلاند كلينك» في الولايات المتحدة، حيث أسس كل منهما جامعته الطبية الخاصة.

ويقول «متري» إن جامعة القديس جاورجيوس في بيروت ستُدخل منهجية تدريس جديدة في كلية الطب التابعة لها، بالتعاون مع «مايو كلينك»، والتي ستقدم المشورة بشأن المناهج، وتنظيم هيئة التدريس. كما يوضح أن المنهج الدراسي سيكون مختلفًا؛ لأنه يجمع بين المقدمات الكلاسيكية لمختلف التخصصات، والدراسات الموجهة التي تستهدف حل المشكلات الطبية.

نطمح إلى تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا، وما يقدمه الابتكار، ولكن كأداة تكميلية، حيث يبقى التفاعل الشخصي في الفصل الدراسي الأداة التعليمية الأساسية.

طارق متري، رئيس جامعة القديس جاورجيوس في بيروت

ويشير رئيس الجامعة إلى أنهم سوف يرسلون أعضاء هيئة التدريس إلى «مايو كلينك» للتعرف، بشكل أكبر، على طريقة تدريس الطب هناك، بما في ذلك التعلم القائم على الفريق؛ حيث ينخرط طلاب الطب في المستشفى، منذ السنة الأولى للدراسة، بدلًا من الانتظار حتى السنة الرابعة، على حد قوله.

اقرأ أيضًا: طبيب لبناني: إيقاف هجرة العقول ممكن

وتضمنت الخطط الأولية للجامعة، بناء حرمٍ جامعي كبير في بيروت، لكنها اضطرت لتعليق المشروع نتيجة الأزمة الاقتصادية. وقد تسبب الانفجار المدمر الذي طال مرفأ بيروت، في العام 2020، في وقوع أضرار جسيمة بمستشفى القديس جاورجيوس – المركز الطبي الجامعي.

ويتحدث رئيس الجامعة عن واقع العمل بعد هذا الحادث، قائلًا أنهم يستخدمون ما هو متاح بعد ترميم المستشفى، حيث أقاموا المكاتب والفصول الدراسية في مبنى كان مخصصًا للأيتام، ويعود تاريخ تشييده، بواسطة أبرشية بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس، إلى العام 1932.

التعلم الرقمي

وفيما بدأت الجامعة، العام الدراسي الجديد، هذا الشهر، باستقبال 250 طالبًا في صفوف كلياتها، يقول طارق متري إنهم يطمحون إلى تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا، وما يقدمه الابتكار، ولكن كأداة تكميلية، حيث يبقى التفاعل الشخصي في الفصل الدراسي الأداة التعليمية الأساسية، بحسب تعبيره.

وفي ختام مقابلتنا، يعرب رئيس جامعة القدس جاورجيوس في بيروت، عن قناعته بأنه على الرغم من الإمكانات «المدهشة بحق» التي يوفرها العالم الرقمي، إلا أن «التعليم الجيد يجب أن يتضمن علاقة مباشرة بين المعلمين والطلاب».

اقرأ أيضًا:

الأزمة الاقتصادية تعصف بمستقبل أساتذة الجامعات في لبنان

ابحث عن أحدث المنح الدراسية عبر موقعنا من هنا، وشاركنا النقاش عبر مجموعتنا على «فيسبوك» من هنا، وللمزيد من المنح، والقصص، والأخبار، سارع بالاشتراك في نشرتنا البريدية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى