أخبار وتقارير

بدعم ومبادرات من منظمات أوروبية.. المشهد الثقافي اللبناني ينتعش رغم الأزمة الاقتصادية

في جهود متضافرة لبث الحياة في المشهد الثقافي اللبناني المتضرر من أزمات متتالية طيلة السنوات القليلة الماضية، أقام المركز الثقافي الفرنسي في لبنان والمجلس الثقافي البريطاني ومعهد غوته الألماني، فعاليات منفصلة، في جميع أنحاء البلاد، تستهدف، بشكل خاص، دعم الفنانين اللبنانيين الشباب.

وعلى مدار عشرة أيام في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نظم المركز الثقافي الفرنسي مهرجانًا دوليًا للكتاب الفرنكوفوني، أعقبه إنشاء معهد غوته لمنصة «آرت إيفولوشن» (ArtEvolution)، فيما اختتم المجلس الثقافي البريطاني، هذا الأسبوع، مهرجان «ما بين بين» (In Between).

«بيروت كتب»

شهد مهرجان «بيروت كتب»، أو Beyrouth Livres، عودة مهرجان الكتاب إلى بيروت بعد غياب بضع سنوات، وتمت توسعة الحدث ليشمل البلد بأكمله.

وقالت سابين سكورتينو، مديرة المركز الثقافي الفرنسي لـ«الفنار للإعلام»: «كان هدف هذا المهرجان إعادة وضع بيروت كعاصمة ثقافية وفكرية رئيسية، لطالما كانت مفترق طرق بين الغرب والشرق وبين البحر المتوسط والعالم العربي. راهنا على ذلك، وأعتقد أننا ربحنا الرهان إلى حد كبير».

شمل المهرجان، معارض، وقراءات كتب، ومناقشات أدبية مع مؤلفين، وحفلات موسيقية، ورسومًا متحركة في 40 موقعًا في بيروت، وأرجاء لبنان. وكانت جميع الأحداث مفتوحة للجمهور مجانًا.

«يجب أن نهتم بهؤلاء الفنانين الباقين في لبنان. الثقافة ضرورية للغاية، بل إنها تزداد أهمية في أوقات الأزمات، لأن الثقافة عنصر من عناصر التماسك الاجتماعي. ليست الثقافة من الكماليات».

 سابين سكورتينو، مديرة المركز الثقافي الفرنسي في بيروت.

وأضافت «سكورتينو»: «كان علينا الاهتمام بلامركزية هذا الحدث لجعله في متناول الجميع، وتسهيل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور، وخاصة الشباب. ونظرًا لارتفاع تكلفة النقل، قررنا الذهاب إلى الأشخاص بدلاً من قدومهم إلينا».

وقدّم أكثر من 100 كاتب لبناني وعالمي أحدث أعمالهم، وتم الإعلان عن الفائزين النهائيين بجائزة غونكور الأدبية الفرنسية المرموقة خلال المهرجان الذي استمر عشرة أيام، ما بين 19 و30 تشرين الأول/ أكتوبر. وتُرجمت العديد من الفعاليات إلى اللغة العربية لتسهيل الوصول إليها لغير المتحدثين بالفرنسية.

الثقافة الفرنكوفونية

ولما كان لبنان محمية فرنسية سابقة، فقد تمتّع بثقافة فرنكوفونية. على مدار 25 عامًا، استقطب معرض الكتاب الفرنكوفوني السنوي في بيروت بانتظام ما يصل إلى 80 ألف شخص إلى العاصمة. وقد ألغيت النسخة الأخيرة، التي كان من المقرر انعقادها في عام 2019، بسبب الاحتجاجات التي عمّت أرجاء البلاد، ضد الفساد، والانهيار الاقتصادي، وتعطل الحكومات.

اقرأ أيضًا: كوفيد-19 يحاصر دور النشر العربية

في العام التالي، عانى القطاع الثقافي في لبنان من صدمتين جديدتين، تمثلتا في الإغلاق الناجم عن جائحة كوفيد-19، والانفجار المدمر الذي طال مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، والذي ألحق أضرارًا بأحياء كبيرة كانت موطنًا للعديد من المعارض الفنية، ولطالما عرفت حياة ثقافية مزدهرة. أعيد بناء الأحياء إلى حد كبير، لكن العديد من الفنانين والمواهب الشابة غادروا البلاد.

وترى «سكورتينو»، ضرورة الاهتمام بهؤلاء الفنانين الباقين في لبنان. وتشدد على أن الثقافة ضرورية للغاية، بل إنها تزداد أهمية في أوقات الأزمات، لأن الثقافة عنصر من عناصر التماسك الاجتماعي، وليست من الكماليات، بحسب تعبيرها.

وقدّم المهرجان منصة للمؤلفين الجدد، من أمثال رندة عماد، لعرض أعمالهم والتفاعل مع الجمهور. ووقّعت الكاتبة نسخًا من مجموعتها الشعرية الأولى، والمعنونة: «روائح الحياة» (Les Effluves d’une Vie)، المستوحى من ذكريات حياتها في الداخل والخارج.

النقاشات بين المؤلفين والجمهور كانت من أبرز أحداث مهرجان «بيروت كتب» الذي نظمه المركز الثقافي الفرنسي في لبنان (الصورة بإذن من المركز).

وعن تجربتها، تقول «عماد»: «كانت المشاركة في معرض الكتاب مصدر فخرٍ لي. كانت فرصة فريدة للتواصل مع الجمهور. إن استضافة المؤلفين الدوليين واستخدام المهرجان كمنصة للإعلان عن المتأهلين للتصفيات النهائية لجائزة غونكور بمثابة شهادة على أن لبنان، وعلى الرغم من كل الأزمات، لم يتوقف عن كونه بلدًا تتمتع فيه الثقافة بمكانة مميزة».

ومع سعادتها بالحدث، تختلط نبرتها الحماسية بالأسف «لأن العديد من العائلات اللبنانية، لم يعد لديها وسيلة لشراء الكتب، بفعل انهيار العملة». وتوضح: «لديهم أولويات أخرى. مع ذلك، المهرجان ضروري لأنه أعاد التأكيد على مكانة لبنان الثقافية».

ما بين بين

ويعدّ مهرجان «ما بين بين»، الذي أقامه المجلس الثقافي البريطاني في لبنان، نتيجة لسلسلة من برامج بناء قدرات الشباب في الفنون المرئية، والموسيقى، والرقص، والأداء، وصناعة الألعاب.

وقال مارك معركش، مدير الفنون في المجلس الثقافي البريطاني في لبنان: «ركزنا بشكل أساسي على المشهد الأصغر سنًا لأنها الفئة التي تفتقر إلى الفرص، وأردنا دعمهم في العثور على الأدوات المناسبة».

 من عروض مهرجان «ما بين بين» (المجلس الثقافي البريطاني في لبنان – عبر «إنستغرام»).

وبمشاركة أكثر من 100 فنان، سعى المهرجان، على مدار خمسة أيام، كان آخرها العشرين من الشهر الجاري، إلى مساعدة الفنانين اللبنانيين الشباب على إبراز أعمالهم وتوفير الفرص لهم لإجراء اتصالات دولية. وأضاف «معركش» أن الحدث أتاح الفرصة للفنانين الشباب للالتقاء والتبادل مع محترفين من مختلف المجالات في لبنان والمملكة المتحدة.

يأتي اسم المهرجان «ما بين بين» من حقيقة عدم توقف الفنانين عن العمل وسط الأحداث الصادمة. من الرائع رؤية المشهد يتحلى بالديناميكية مرة أخرى، وينشيء روابط نشطة مع الجمهور.

مارك معركش، مدير الفنون في المجلس الثقافي البريطاني في لبنان.

وفيما يشير إلى أن المهرجان يسمح باكتشاف المواهب الجديدة، ويساعد على كسر الحاجز بين المشهد الشاب والمؤسسات الثقافية، يشدد على على صمود المشهد الفني في بلد يُعايش أزماتٍ لا نهاية لها.

ويوضح مدير الفنون في المجلس الثقافي البريطاني في لبنان، أن اسم المهرجان «ما بين بين»، يأتي من حقيقة عدم توقف الفنانين عن العمل وسط الأحداث الصادمة، مضيفًا أنه من الرائع رؤية المشهد يتحلى بالديناميكية مرة أخرى، وينشيء روابط نشطة مع الجمهور، وفق قوله.

آرت إيفولوشن 2022

ومؤخرًا، اختتم معهد غوته في لبنان منصة برنامج آرت إيوفولوشن ArtEvolution 2022، قدّم خلاله المشاركون أعمالًا قيد التنفيذ بأشكال مختلفة. وتبلغ مدة هذا البرنامج خمسة أشهر، تبدأ بورشة عمل قصيرة ومكثفة، تليها فترة «تأمل» يحصل خلالها المشاركون على تمويل لتطوير مشاريعهم.

عمل المشاركون في نسخة هذا العام، على مشاريع ارتبطت بشكل غير وثيق، بموضوعات سرد القصص والذاكرة، ولكنها تضمنت مجموعة متنوعة من التقنيات، بما في ذلك المسرح، والرقص، والشعر المحكي، والتقطيع الصوتي الإلكتروني، والطهي.

كما قدّم البرنامج سلسلة من محادثات بعنوان Impulse بين المشاركين في المشروع، والجمهور، والممارسين المعروفين حول موضوع جسد الإنسان في التمثيل، في ظل ظروف لبنان الراهنة، وفي أوقات سابقة. وعن هذا البرنامج، يقول معهد غوته: «تم تصميم آرت إيفولوشن لتزويد جيل الشباب من الفنانين والعاملين في مجال الفنون الأدائية، وما يتعلق بها، ببنية تحتية تربوية وحاسمة لمتابعة ممارساتهم الفنية».

اقرأ أيضًا

ابحث عن أحدث المنح الدراسية من هنا. ولمزيد من القصص، والأخبار، اشترك في نشرتنا البريدية، كما يمكنك متابعتنا عبر فيسبوك، ولينكد إن، وتويتر، وانستجرام، ويوتيوب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى