مقالات رأي

أحكام مسبقة.. ولقاء في فصل دراسي

القاهرة- بعد خمس دقائق من بدء محاضرتي الثانية مع طلابي الجدد، وجدت نفسي فخورة بقدرتي على تذكر أسماء الطلاب الجدد بعد درسنا الأول الأسبوع الماضي. ثم ما لبثت أن دخلت طالبة جديدة. حاولت السيطرة على تعابير وجهي حين دخلت وجلست. عرفتها بنفسي ثم طلبت منها أن تقوم بتقديم نفسها لي ولزملائها. كنت أشعر بداخلي بالارتباك الشديد، فقد كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها طالبة مثلها.

كانت الطالبة منقبة.

ربما يتوجب علي الاعتراف بأن وجود طالبة منقبة في أحد فصول الجامعة الأميركية في القاهرة (حتى ولو كان فصلا للتعليم المستمر) صدمني. لقد تربيت في الكويت حيث ينتشر النقاب، لذلك فإن رؤية النقاب عادة لا تصدمني أو تخيفني. أعرف نساء متعلمات جيداً اخترن تغطية وجوهن. لكن حين كنت طالبة في الجامعة الأميركية، تم منع النقاب داخل الحرم الجامعي. حصل نقاش طويل وكانت أسباب منع النقاب مرتبطة بالدواعي الأمنية، لكني أتذكر جيدا بعض الأساتذة الذين اعترضوا لأنهم لا يستطيعون تدريس شخص من دون رؤية وجهه. تساءلوا كيف سيعرفون أن هذا الشخص يتعلم، وكيف يمكن أن يتواصلوا معه؟

لأني عشت فترة من حياتي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإني أتفهم عدم ارتياح الناس من التعامل مع امرأة منقبة (تذكرت ذلك من النقاش الأخير الدائر في المملكة المتحدة حول إمكانية السماح للطاقم الطبي داخل المشافي بارتداء النقاب). في الواقع، حتى في مصر، أغلب معارفي ينتقدون النقاب لأسباب متعددة.

ولكن كشخص تعلم ودرّس عبر الانترنت، مستخدما النصوص أكثر من الوسائل البصرية، أستطيع أن أؤكد أنه بإمكانك تعليم شخص من دون رؤية وجهه أبداً، وبإمكانك التعلم من أناس لم ترهم أبداً. ككل قراء هذا المقال، أجريت أحاديث طويلة ومهمة عبر الهاتف، إذا كلنا نعلم أنه بإمكاننا التواصل بشكل جيد من دون رؤية وجوه الآخرين، بغض النظر عن البحوث التي تتحدث عن أهمية تعابير الوجه والجسد وتفوّقها على الكلمات.

سأضع كل هذه الأمثلة جانباً، لأتحدث تحديداً عن قضية وجود طالبة منقبة في صفي. أستطيع التحدث تحديداً عن افتراضاتي وأحكامي المسبقة، وكيف أن وجود هذه الطالبة في صفي أثبت خطأ كل هذه الأحكام.

توقعت أن تكون المرأة التي تغطي وجهها هادئة نسبياً ومنطوية. إلا أن الطالبة كانت على درجة عالية من التفاعل وصاحبة شخصية قوية. وكانت واحدة من الطلاب الأكثر مشاركة في صفي، شاركت بذكاء وحماس. وحين تكلمنا عن عدم المساواة بين الجنسين، رأيت الجانب النسوي منها.

توقعت أن أواجه مشكلات في جعل هذه الطالبة تعمل ضمن مجموعات مختلطة بين الجنسين، على سبيل المثال، أن تتردد في العمل مع الطلاب الذكور، إلا أن أياً من هذه المشكلات لم تحدث.

توقعت أنني لن أفهم ردود فعلها خلال الفصل لأني لا أرى وجهها. في الواقع كان هنالك العديد من المواقف التي تمكنت من خلالها من الإحساس بغضبها، بروحها المرحة وباهتمامها، من خلال عينيها، نبرة صوتها وحركة جسدها. أعرف أني كنت على صواب في تقييمي لأننا في بعض الأحيان كنا نتحدث بعد الفصل أو من خلال البريد الإلكتروني حيث أكدت لي هذه المشاعر.

و كما قلت لهذه الطالبة في نهاية الفصل الدراسي: هي ليست مسؤولة عن تمثيل كل النساء الأخريات المنقبات، فقط لكونها ترتدي النقاب. في السياق نفسه، لا أستطيع التعميم بأن كل امرأة منقبة ستكون مشاركة مثل هذه الطالبة. أعلم أنه خلال الصراعات الأخيرة في مصر، كان هناك منقبات احتججن ضد الإخوان المسلمين في 30 حزيران/يونيو وأخريات تظاهرن تأييداً لهم. أعلم أنه لا يمكنك الافتراض أن شخصا ما يغطي وجوهه لسبب معين، وأنه بعد أن فعل ذلك، لديه سمات شخصية معينة، انتماء سياسي أو قيم معينة.

ولأكون صريحة للغاية، لست متأكدة إن كنت سأكون مرتاحة في تدريس فصل يضم عدداً أكبر من النساء المنقبات (هل سأكون قادرة على التمييز بينهن؟). لكنني رغبت بمشاركة تجربتي بعد أن درّست مثل هذه الطالبة، وكانت التجربة إيجابية جدا.

حين استأذنت طالبتي بنشر هذا المقال، رحبت بحماسة وقالت إنها تأمل أن ” يساعد المقال بعض الناس في رؤية إنسانة عادية (خلف النقاب) تستطيع أن تكون جزءاً من البلاد”.

وهذا هو جوهر هذا المقال. إنه ليس حول الآثار السياسية، الدينية أو الاجتماعية للنقاب. إنه حول قبول النساء اللواتي اخترن ارتداء هذا النقاب كأفراد، كبشر. لقد أردت أن أشارك تجربتي في التغلب على تحيزي الشخصي من خلال وجود هذه الطالبة في فصلي والتحول الذي حدث لي بسببها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى