أخبار وتقارير

ألمانيا وجهة أساسية لتعلم أسرار التنمية

قضى عبد الله خير، الأردني البالغ من العمر 33 عامًا، الكثير من وقته في دراسة الماجستير في مدينة كولونيا الألمانية، لكنه نجح في النهاية في الحصول على درجة الماجستير في إدارة المياه. حيث كتب رسالته العلمية حول مصانع معالجة المياه الموفرة للطاقة، مستخدماً مدينة العقبة الساحلية في الأردن كدراسة حالة.

حاليًا تتفاوض شركة مرفق مياه العقبة مع بنك للتنمية الدولية لتمويل مقترح الحفاظ على المياه الذي طوره خير. يقول “سيساعد هذا المشروع الأردن على خفض استهلاك الطاقة والحفاظ على خدمات المياه وتحسينها.”

دراسة خير كانت جزءاً من برنامج التبادل الذي تديره المؤسسة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD) والمؤسسة الفيدرالية الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وهي وكالة حكومية. وتقدم برامج الماجستير دورات تبادل دراسي للخريجين في مجالات الاقتصاد، والتخطيط الحضري، والتعليم، وإدارة موارد المياه، والطاقة المتجددة، والتي جذبت 1700 متقدم منذ بداية البرنامج في عام 2007. ينتمي حوالي 80 في المئة من المشاركين في البرنامج إلى المنطقة العربية، بحسب مسح أجرته الوكالة في عام 2013.

من خلال الطلاب والأساتذة الذي يتعلمون ويُدرٍسون في ألمانيا وخارجها، يسعى البرنامج إلى تعزيز التطور الاقتصادي والتكنولوجي في المنطقة العربية والتي تعاني – كما يرى الكثير من الناس – من بطء معدلات النمو والبطالة ونقص مشروعات ريادة الأعمال، وذلك على الرغم من إيراداتها من النفط وضخامة أسواقها.

بدوره، يقول حسام الدقاق، السوري البالغ من العمر 28 عامًا، والذي درس الاقتصاد في جامعة فيليب في ماربورغ “تمتلك ألمانيا المعرفة التكنولوجية والمهندسين الأكفاء والمساعي الجيدة فيما يتعلق بمشروعات التنمية والخبرة في إعادة بناء الدولة بعد الحرب”، متمنيًا أن تتعلم سوريا مما سماه “المعجزة الاقتصادية الألمانية” بعد الحرب العالمية الثانية.

يعيش الدقاق الآن في برلين ويعد واحدًا من بين 167 خريجًا استفادوا من برنامج التبادل. وكان الدقاق قد درس إدارة الأعمال في جامعة دمشق قبل قدومه إلى ألمانيا في عام 2011.

يعتبر اختصاص الاقتصاد هي المثال الأبرز على نوع من التعليم الذي لم يكن الطلاب ليحصلوا على مثله في بلدانهم.

يقول برند هايو والذي يُدرِس الاقتصاد الكلي في جامعة ماربورغ إن الكثير من مؤسسات التعليم العالي العربية تستخدم الكتب الدراسية الأمريكية والتي لا تشرح للطلاب العرب الكثير عن اقتصادياتهم الوطنية. يضيف هايو “لا تقدم معظم الجامعات في المنطقة العربية حتى ولو دورة واحدة عن اقتصاد الشرق الأوسط. ولكننا نقدم دورات عن الاقتصاديات العربية تركز على قضايا مثل إنتاج النفط أو النمو السكاني أو بعض القضايا المتعلقة بالموارد المالية العامة في هذه الدول.”

ويوضح الدقاق أن البرنامج فتح عينيه لرؤية دول الشرق الأوسط بشكل مختلف بما في ذلك توزيع الثروات في المنطقة. “في سوريا، دكتاتور مثل الأسد لن يتيح الفرصة للطلاب لدراسة اقتصاد المنطقة العربية. لقد تعلمت لأول مرة حقيقة وجود نفط في سوريا تذهب إيراداته إلى أسرة الأسد. في المنطقة العربية، تستخدم الحكومات الموارد الطبيعية كوسيلة للقمع.”

(DAAD / مايكل جوردان)

كما اكتسب الطلاب العرب في ألمانيا رؤى جديدة حول أساليب التدريس البديلة والتي تختلف عما تعودوا عليه، والتي تشمل الانفتاح والتفكير النقدي والمشاركة في الفصل الدراسي.

يتعلم الطلاب في جامعة كولونيا للعلوم التطبيقية إدارة المياه من خلال التركيز على مشروعات في مختلف أنحاء العالم، كما قالت مها هلسه، باحثة في مركز أبحاث المياه والبيئة التابع لجامعة الأردن، وهي مؤسسة في عمان تعد جزءًا من البرنامج الألماني.

قبل بداية الدورات، يشارك الطلاب أيضًا في ورش عمل للاتصالات بين الثقافات لتساعدهم على فهم الاختلافات الثقافية بين التعليم الألماني والعربي. “وهذا هو الشق الثقافي من هذا التعاون” على حد تعبيرها.

كما تؤثر الثقافة أيضًا على موضوع الدراسة، وليس أسلوبها فحسب. حيث تتبنى برامج دراسة الماجستير منهجًا أوروبيًا في الاستدامة والذي يفترض –بدون سبب – محدودية الموارد الطبيعية وضرورة الحفاظ عليها للأجيال المستقبلية بدلاً من النظر إليها باعتبارها كنزًا يجب استخراجه.

يركز برنامج الطاقة المتجددة التابع لبرنامج التبادل على السيطرة على العرض والطلب من خلال أسعار الطاقة على سبيل المثال، كما يقول ماتهياس ويتر، محاضر في جامعة هومبولدت في برلين.

ويدرس الطلاب ندرة الموارد الطبيعية في العالم العربي من خلال تجارب عملية.

إذ قام فريق من الطلاب على سبيل المثال بتحليل أكبر مصانع معالجة نفايات المياه في الأردن والمعروف باسم السمرا، بجوار العاصمة الأردنية عمان، حسب ما قاله ماندي زوتشولد، استشاري فني في وزارة البيئة الأردنية، والذي درس إدارة موارد المياه في جامعتي الأردن وكولونيا للعلوم التطبيقية.

يقول زوتشولد “لقد فحصنا المشروع، باعتباره شراكة أردنية أمريكية بين القطاعين العام والخاص، من كافة الزوايا، ولم نكتف بالجوانب الفنية والمالية والقانونية.”

تقام برامج التبادل في إطار مساعي وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية في ألمانيا لتحسين علاقة ألمانيا بالعالم العربي.

يقول ويتر، المحاضر في جامعة هومبولدت في برلين والذي أشرف على قسم الشرق الأوسط في الوزارة في الفترة ما بين عامي 2003 -2007 “تتلخص عوامل النجاح في التعاون التنموي في وجود مديرين أكفاء من الجانبين، العربي والألماني. حيث يكون لديهم القدرة على الاستجابة لمتطلبات بعضهم البعض وإدارة المشروع بشكل ناجح.”

يدار برنامج التبادل بميزانية 21 مليون يورو (حوالي 28 مليون دولار أمريكي) حتى عام 2017، بحسب تقرير المؤسسة الفيدرالية الألمانية للتعاون الدولي، والتي تقترح استمرار مشاركتها في عملية التنمية.

يدرك الطلاب القيمة المضافة للتعاون الثقافي في تطوير المشروعات. تقول لبنى محمد، مهندسة تخرجت في عام 2013 بدرجة ماجستير في التخطيط الحضري من جامعتي عين شمس في القاهرة وشتوتغارت في ألمانيا “يحقق التعاون الثنائي فائدة متبادلة بين الجامعتين والبلدين لها تأثير استراتيجي طويل المدى سيتضح أكثر في المستقبل القريب.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى