مقالات رأي

لماذا يحتاج العالم للتركيز على البحوث متعددة التخصصات وصنع السياسات

ملاحظة المحرر: هذا هو الجزء الثاني من مقال مؤلف من جزأين. في المقال الأول، أوضحت الكاتبات أن من واجب العلماء اختراق عزلة الأقسام العلمية والعمل معًا. في هذا المقال، تعتقد المؤلفات أن اتباع نهج متعدد التخصصات أمر حاسم لمواجهة التحديات التي تواجهنا في مجال الرعاية الصحية، كما أصبح جليا في فترة الوباء.

يعتبر كوفيد-19 مثالًا ممتازًا لمشكلة يتطلب حلها نهجًا متعدد التخصصات. لقد كشف الوباء عن نقاط الضعف في كل دولة، بصرف النظر عن قدرة نظام الرعاية الصحية والموارد الاجتماعية والاقتصادية. للتعامل مع هذه الأزمة، نحتاج إلى تضافر جهود الأطباء وعلماء الأوبئة والإحصاء الحيوي وعلماء الفيروسات وعلماء الوراثة وعلماء المناعة وخبراء الصحة العقلية. نحن بحاجة إلى صانعي قرارات مطلعين وقوى البحث والتطوير في القطاع الخاص. بدون كل هذه، وأكثر، لن ننجح.

سوزانا فرازاو بينيرو، قسم تربية الرعاية الصحية وعلوم الحياة، إنجلترا

قادت كلية لندن الجامعية، حيث أعمل أستاذة مساعدة للتربية في كلية الإدارة، مبادرات لإنشاء برامج مبتكرة بالتعاون مع كليات الطب وعلوم الحياة في كليات ومدارس الجامعة لتدريب الجيل القادم. بهدف إدخال البحوث الصيدلانية الواعدة وغيرها من الابتكارات في السوق، من المهم أن يكون للعلماء فهم لمهارات الأعمال وريادة الأعمال واللغة والمعرفة. قادنا ذلك إلى تطوير برنامج درجة ماجستير مشترك بين كليات الصيدلة والإدارة في كلية لندن الجامعية.

من المجالات الأخرى التي تتطلب نهجًا متعدد التخصصات الحاجة إلى تدريب أطباء المستقبل على مهارات الإدارة. إنهم بحاجة إلى تعلم كيفية تقييم الفوائد والعواقب المقصودة وغير المقصودة للابتكارات المنقذة للحياة. في عام 2014، طورت كلية الإدارة وحدة مبتكرة في السياسة الطبية والابتكار والإدارة تجمع خبراء من كليتنا والأقسام الأخرى لمناقشة هذه الموضوعات مع طلاب الطب. إن الإدراك العام بعدم وجود تخصص منفرد بإمكانه معالجة البعد الهائل للتحديات التي تواجه مهنة الطب أمر مهم، والأمر ينطبق على الإجراءات المحددة المتخذة تجاه هذا الأمر أيضًا. والأمر الأخير هو ما قادنا إلى تطوير مجال الرعاية الصحية وعلوم الحياة في كلية الإدارة. لقد ساهمنا أيضًا في برامج أخرى بوحدات تدريبية حول ريادة الأعمال المستدامة، على سبيل المثال.

ليس من اليسير تنفيذ أي من هذه المهام. اعتاد المجال الأكاديمي تقليديًا على العمل في صوامع منعزلة؛ يتطلب تغيير هذا المثابرة والشغف. ولكن الأمر يتطلب أيضًا إيجاد أرضية مشتركة وفهم لاهتمامات الناس ووجهات نظرهم والاستماع أكثر من التحدث. في النهاية يتطلب الأمر قبول وتبني الشك وعدم اليقين. تسمح المناهج متعددة التخصصات بالتعلم المستمر من طرق أخرى للنظر إلى العالم ومن وجهات نظر مختلفة. إنها عملية استباقية وديناميكية. ولكي تستمر الجهود، من الضروري أيضًا تبادل الدروس ونقلها بوضوح إلى الجماهير التقنية وغير التقنية.

“ليس من اليسير تنفيذ أي من هذه المهام. اعتاد المجال الأكاديمي تقليديًا على العمل في صوامع منعزلة؛ يتطلب تغيير هذا المثابرة والشغف.”

سوزانا فرازاو بينيرو  
قسم تربية الرعاية الصحية وعلوم الحياة، إنجلترا

يمكن أن تلعب وسائل الإعلام والجامعات والحكومات والقطاعات الأخرى دورًا في الوصول إلى فهم أفضل للعلم من خلال توضيح ونقل المفاهيم المعقدة غالبًا بطرق يمكن أن يفهمها الجمهور الأوسع. سيؤدي هذا في النهاية إلى زيادة انخراط الجمهور في العلوم. شددت جائحة كوفيد-19 على أهمية الأدلة وصنع السياسات المستندة إلى العلم والدعم العام لذلك.

ليان أوتي، طبيبة نسائية، من الأردن ونانسي هاكوز، صيدلانية من الأردن

كانت الحاجة إلى التعاون متعدد التخصصات في مجال الخدمات الصحية واضحة بعدة طرق خلال إغلاق الأردن الأخير الناجم عن وباء كوفيد-19.

لمدة أسابيع، كان الإغلاق شاملاً. لم يُسمح للسيارات أو الأشخاص بالخروج إلى الشوارع، وكان على الناس الاعتماد على خدمات طوارئ الدفاع المدني إذا ما احتاجوا إلى رعاية طبية عاجلة.

في البداية، اكتظت غرف الطوارئ والمستشفيات بعددٍ كبير من المرضى الذين نقلهم عمال الدفاع المدني. للتغلب على هذه المشكلة تم تعيين طبيب مع فريق الدفاع المدني، وتم تقييم المرضى وعلاجهم في المنزل، كلما أمكن ذلك، وتم نقل الحالات الأكثر خطورة فقط إلى المستشفيات.

كان العمل الجماعي متعدد التخصصات واضحًا أيضًا في فرق التحقيق الوبائي التي تتحقق من انتشار فيروس كورونا الجديد. وضمت الفرق أطباء وصيادلة وممرضات مدربين تدريبًا جيدًا، وكان عليهم العمل سويًا للتحقيق في النقاط الساخنة للأوبئة. كما تعاونت فرق أخرى في مهام مثل إيصال الأدوية إلى المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والذين لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات. ذهب أحد الأطباء مع فريق التوصيل للتأكد من أن المرضى يتلقون المشورة التي يحتاجونها فيما يتعلق بتناول أدويتهم.

خلال هذه الأوقات الصعبة، توجب على العاملين في المجال الصحي من جميع التخصصات؛ من أطباء وممرضين وصيادلة وأطباء أسنان، العمل معًا لمواجهة حالات الطوارئ المتعلقة بالرعاية الصحية الحرجة للمرضى.

“خلال هذه الأوقات الصعبة، توجب على العاملين في المجال الصحي من جميع التخصصات؛ من أطباء وممرضين وصيادلة وأطباء أسنان، العمل معًا لمواجهة حالات الطوارئ المتعلقة بالرعاية الصحية الحرجة للمرضى.”

ليان أوتي  
طبيبة نسائية، من الأردن ونانسي هاكوز، صيدلانية من الأردن

يسلط هذا الضوء على أهمية التعاون متعدد التخصصات؛ إذا ما تعلم الطلاب من كليات الصحة كيفية التفاعل والتواصل مع بعضهم البعض من خلال سيناريوهات افتراضية في تدريبهم المبكر، فسوف يكونون مستعدين بشكل أفضل للعمل معًا بسلاسة أثناء الأزمات الحقيقية مثل جائحة كوفيد-19.

لا يتوجب تقديم مفهوم التعاون متعدد التخصصات بين التخصصات المماثلة مثل الطب والصيدلة والتخصصات الأخرى ذات الصلة بالصحة فحسب، بل يجب تقديمه على نطاق أوسع من التخصصات مثل تكنولوجيا المعلومات والعلوم الاجتماعية وإدارة السياسات وغيرها من المجالات.

ريم ن. بسيسو، مستشارة دولية في اقتصاد المعرفة

تلعب عملية صنع السياسات متعددة التخصصات دورًا مهما عندما تتعامل البلدان مع الأسئلة الصعبة المتعلقة بكيفية بناء اقتصاد قائم على المعرفة، حيث يأتي أكثر من 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي من المعرفة.

وفقًا لأحد نماذج البنك الدولي الخاصة ببناء اقتصاد معرفي ناجح، يحتاج البلد إلى التركيز على أربع ركائز رئيسية: (1) نظام اجتماعي اقتصادي سليم، يتسم بالشفافية والمساءلة، (2) التعليم، ( 3) الابتكار الذي يدمج العلم والتكنولوجيا لزيادة التسويق مع حماية حقوق الملكية الفكرية، و(4) بنية تحتية محدثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

بحسب هذا النموذج وغيره، ستوجّه الدولة التي تبني اقتصادًا معرفيًا على هذه الركائز الأربع نفسها نحو النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. من شأن هذه السياسة تعزيز جميع القطاعات البيئية، وخاصة النتائج التعليمية.

ينبثق النهج الداخلي والمتعدد التخصصات على مستوى القطاعات الوطنية بشكل أساسي من نظام اجتماعي اقتصادي سليم ومشترك يعزز المساءلة والشفافية وسيادة القانون. لا يمكن للعلم وحده تحقيق النمو الاقتصادي الذي يؤدي إلى الازدهار والسلام العالمي دون العمل جنبًا إلى جنب مع الركائز الأخرى.

رنا الدجاني، عالمة أحياء جزيئية، الأردن

من وجهة نظري الشخصية، سيتم تعزيز بعض الدعم الجوهري اللازم لتعزيز نموذج اقتصاد المعرفة هذا في الأردن والدول النامية الأخرى من خلال تسهيل فتح أعمال تجارية جديدة وحماية حقوق الملكية الفكرية، ولاسيما فيما يتعلق بالخدمات والمنتجات والمعارف الإلكترونية.

مع تقدم العلم، يستفيد البشر بشكل متزايد من التقنيات والابتكارات الجديدة. لكن للأسف، مع تقدم التقنيات، تزداد الجرائم الإلكترونية أيضًا، مما يؤكد أهمية وجود نظام قضائي يفهم الجريمة الإلكترونية وقيمة الملكية الفكرية على الإنترنت.

حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أنها رفاهية في أجزاء كثيرة من العالم. لكن جائحة كوفيد-19 فرضت واقعًا آخر. لم تعتمد الحكومات فقط استخدام التقنيات الرقمية لمواجهة الوباء ومعالجة مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالوباء، ولكنها دعمت أيضًا بقاء واستمرارية القطاعات الحيوية في حياتنا، وأقصد التعليم، والتي استفادت فجأة من أي بنية تحتية مُتاحة بهدف الوصول إلى مليارات الطلاب الذين تقطعت بهم السبل في منازلهم.

“حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أنها رفاهية في أجزاء كثيرة من العالم. لكن جائحة كوفيد-19 فرضت واقعًا آخر.”

رنا الدجاني  

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

تحولت قطاعات أخرى أيضًا إلى الحلول الإلكترونية. إذ ازداد العمل من المنزل وتحولت الاجتماعات والمنتديات الواقعية إلى مؤتمرات عبر الإنترنت، مما يوفر الملايين من وسائل النقل وينقذ الكوكب من أطنان من الملوثات. لقد أثبتت التكنولوجيا بالفعل قيمتها في إدارة الشؤون عندما توقفت جميع الأعمال على أرض الواقع تقريبًا. لقد وفر الوضع حافزًا لافتًا لتعزيز البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمة الإنسانية.

الخلاصة

تتسم أكبر تحدياتنا بالتعقيد: وتشمل عدم المساواة الاقتصادية، والأمراض وعدم المساواة في الرعاية الصحية، وتغير المناخ، وفقدان الأراضي الصالحة للزراعة، وإهدار المياه وغيرها من القضايا المتعلقة بالتنمية. أدت عقود من البحث والممارسة إلى إدراك أن حل المشكلات المعقدة يتطلب التكامل بين العلوم الطبيعية والاجتماعية.

مع ذلك، وعلى الرغم من الوعي المتزايد بالحاجة إلى كسر الحواجز بين الأقسام العلمية، لا تزال الجهود الحقيقية متعددة التخصصات بعيدة المنال. ومن اللازم وجود جهد مستمر للتوصل إلى علوم جديدة وتحويلية متعددة التخصصات.

لا تعني الإجراءات متعددة التخصصات التنوع في تخصصات الدراسة فحسب، بل التنوع في مجموعة متنوعة من الثقافات ووجهات النظر. بهدف زرع بذور هذا التنوع، نحتاج إلى إنشاء فرق يمكنها العمل معًا وبناء شراكات متساوية. في العالم النامي، يشمل ذلك التعامل مع العلماء في الشتات وإنشاء شبكات توجيه لإفادة جميع السكان ونقل هذه المفاهيم إلى الأجيال القادمة. لقد أكدت جائحة كوفيد-19 كذلك على الحاجة الملحة لبناء مثل هذه الجسور من خلال البحوث التطلعية والتعاونية متعددة التخصصات.

رنا الدجاني، أستاذة بيولوجيا الخلايا الجزيئية في الجامعة الهاشمية في الأردن، ورئيسة الفرع الأردني لمنظمة المرأة في العلوم من أجل العالم النامي.

ملاحظة المحرر: التقت الدجاني والكاتبات المساهمات في هذا المقال بصفتهن أعضاء لجنة ضمن جلسة لمنتدى العلوم العالمي 2017، الذي عقد تحت قيادة الصندوق الملكي لدعم البحث العلمي، في الأردن. الكاتبات المشاركات هن عبير البواب، من الجامعة الأردنية، الأردن؛ وسالي جوردان، من الجامعة المفتوحة، في إنجلترا؛ وغانما دافاسامبو، من مدرسة تي. أتش. تشان للصحة العامة في هارفارد، بالولايات المتحدة؛ ونانسي هاكوز، من الجامعة الأردنية؛ وريم ن. بسيسو، من المجلس الدولي للمستشارين، يونايتد بلانيت، في الولايات المتحدة؛ وليان أوتي، طبيبة نسائية في مركز الحسين للسرطان، الأردن؛ وسوزانا فرازاو بينيرو، رئيسة قسم الرعاية الصحية وعلوم الحياة، في كلية الإدارة بكلية لندن الجامعية UCL، في إنجلترا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى