أخبار وتقارير

«سحالي فؤاد حداد» تُلهم رسوم الفنانة سحر عبدالله في كندا

فتحت قصيدة للشاعر الراحل فؤاد حداد، نافذة مُتسعة للإلهام الفني، أمام الفنانة والرسامة المصرية سحر عبد الله، جعلتها تتخيل قصيدته «زي السحالي» وكأنها نص مُتحرك، قادها لتحويلها لاسكتشات على الورق، حتى توصلت لرؤية بصرية لمشروع متكامل، عرضته أخيرًا في معرض بعنوان «Like A Lizard»، في جاليري «ريموت»، في مدينة تورنتو في كندا.

«تتحدث القصيدة عن حالة تمرد، فتاة تتغنى بحريتها وتُمجدها، تتماهى مع سحلية مُتموجة الحركات. يُعرف عن السحلية أنها تُصارع وقد تفصل ذيلها عنها بإرادتها للحفاظ على حريتها، فصارت رمزًا لها»، هكذا تحدثت سحر عبد الله لـ «الفنار»، عن قصيدة فؤاد حداد، التي تتغنى بكلماتها الخفيفة العامية، وانعكست على خفّة رسومها في المعرض.

تتصوّر «سحر» في رسومها فتاة تُراقب سحلية، وتنسج بينهما حكاية طريفة: «السرد في اللوحات يذهب بنا لتخيّل فتاة ثابتة جامدة الحركة، تُراقب السحلية التي تقترب منها، فيعزفا سويًا على آلة الترومبيت، و يرقصا تحت الشمس، حتى يندمجا في جسد واحد، ويصيرا معًا كائن جديد، وبهذا الاندماج تحرر الفتاة نفسها وتنتقل من الأماكن الضيقة إلى مساحات رحبة، إلى الحرية التي تتوق إليها دائمًا. وإذ ينفصلا تكتسب الفتاة جسدًا حرًا و تتعدد زوايا رؤيتها للحياة من حولها».

تفصيلات شعبية

«الفن الشعبي المصري ووحداته تعيدنا إلى اللهجة العامية المصرية التي كُتبت بها القصيدة»

سحر عبد الله
الفنانة والرسامة المصرية

يغلب على المعالجة البصرية لرسوم معرضها أطيافًا واسعة من الفن الشعبي المصري، الذي يتداخل في انسيابية لافتة مع القصة المشتركة بين الطفلة والسحلية، تقول سحر: «الفن الشعبي المصري ووحداته تعيدنا إلى اللهجة العامية المصرية التي كُتبت بها القصيدة»، وتوضح أن «السحلية»، في حد ذاتها إحدى مفردات الفن الشعبي، فكثيرًا ما رُسمت أعلى بوابات البيوت للحماية من الشر. ولذلك وجدت الفنانة أنه كان من الضروري أن تستحضر معها مفردات الفن الشعبي المصري، ونقوشه التي رسمت على جدران البيوت من ورود ونخيل، كذلك ما تزينت به الفتاة من حُلي يغلب عليه شكل المثلث، ليرتبط مع مفردات من اللهجة العامية المصرية، لصياغة لوحات «زي السحالي» في سرد جديد للبحث عن الحرية.

تقول سحر إنها ربما تقوم خلال الفترة المقبلة بكتابة نص مبسط، ليكون مُصاحبًا للرسوم  المُستلهمة من قصيدة فؤاد حداد، ليتم إصدارها في كتاب جديد.

ويُحيل توحّد الفتاة والسحلية في الفانتازيا البصرية لسحر عبد الله لثيمة الكائنات الخرافية، التي ربما تمتلك عشرات الأعين، أو الأذرع، تُعلق على الأمر: «كثير ما أكسبت الأسطورة صفات، أو أدوار غير عادية للحيوانات، وربطت ما بين الإنسان والحيوان، لتبتكر كائنات خرافية غير موجودة في الواقع، ليُفسر بها ما خفي من معاني في مواجهة الحياة».

 محمود درويش وفؤاد حداد

يعد معرضها «Like A Lizard»، ثاني معارض سحر عبد الله الفردية في كندا، بعد معرض«قصائد بصرية»،  عام 2018، الذي استضافته مكتبة «تورنتو»، في كندا، للرسوم الأصلية لكتابيها “«فكر بغيرك»، و«هكذا قالت الشجرة المُهملة»، اللذين حولت فيهما  قصيدتي الشاعر الفلسطيني محمود درويش لنصوص بصرية، في علاقة ممتدة للفنانة مع القصائد الشعرية، ومُحاكاتها عبر لونها الفني الخاص. تقول سحر : «الشعر أكثر تجريدًا من القصة كالموسيقى، فيُتيح بذلك فضاءات رحبة للتعبير بحرية عن مفردات، تحتمل عدة تأويلات، لخلق رؤية بصرية غير مُقيدة بأحداث القصة فيتحرر الخيال، وتأخذنا الفكرة لما هو أبعد من حدود المفردات، وهذا ما أتوق إليه في الفن والحياة أيضًا».

حققت الرسّامة سحر عبد الله حضورًا واسعًا برسومها للأطفال، التي نالت  الكثير من الجوائز عنها، منها جائزة الدولة التشجيعية في مصر، وجائزة محمود كحيل في لبنان، وجائزة «اتصالات» في دولة الإمارات، وترشحت أعمالها لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وأخيرًا اختيرت إحدى رسومها في المعرض الدولي لأفضل رسوم 2021 ilustrofest، المنعقد في صربيا العام الجاري، وكذلك اختيرت رسوم لها لضمها إلى كتالوج مكتبة الأطفال والشباب في ميونيخ هذا العام، وهما حدثين تعتبر سحر أنهما إلى جانب التقدير الفني لها إلا أنهما يمثلان «تسليطًا للضوء واحتفاء بالطفل العربي، فكثير من  المكتبات في الدول الأوروبية وأمريكا، لديها أقسامًا للكتب بلغات مختلفة، إيمانًا بالتعددية الثقافية و دعمُا لأدب الطفل»، على حد تعبيرها.

 سرد بصري مُجاور للنص

رسوم سحر عبد الله وأيقوناتها البصرية، تجد طريقها لعالم الكبار أيضًا، تقول: «لا أزال حتى الآن أبتهج بقراءة قصص من (دار الفتي العربي)، فكتاب الأطفال الناجح لا يتقيد بعمر، و إذ عمل الرسام على خلق نص بصري يُجاور الآخر، سيكون حينها كأنه يتيح لوحات معرض دائم بين يدي القارئ، ورغم أن شغفي الأول هو  كتب الأطفال، إلا أنها أيضًا أعمال يمكننا أن نرى فيها سردًا يقودنا إلى جمال خالص في حد ذاته بعيدًا عن النص المكتوب».

«الشعر أكثر تجريدًا من القصة كالموسيقي، فيُتيح بذلك فضاءات رحبة للتعبير بحرية عن مفردات، تحتمل عدة تأويلات، لخلق رؤية بصرية غير مُقيدة بأحداث القصة فيتحرر الخيال، وتأخذنا الفكرة لما هو أبعد من حدود المفردات، وهذا ما أتوق إليه في الفن والحياة أيضًا».

سحر عبدالله  

جماليات السرد البصري المُجاور للنص المكتوب، تتجلى في كتاب آخر من رسومها، وهو «ليالي شهرزيزي: حكاية داخل حكاية»، الصادر عام 2019، الذي يقوم على  فكرة القصة الإطارية المُميزة لألف ليلة وليلة، وهو من تأليف هديل غنيم، حيث أن جميع القصص تنطلق منها و بعضها مؤطرة في قصص أخرى فتبدء وتنتهي من تلقاء نفسها، تقول سحر: «تأكيدًا على تلك الفكرة جاءت رسوم بطلي القصة الأساسية (شهرزيزي وعمرويار) مُلوّنة، في حين جاءت رسوم الحكايات بالأبيض والأسود، ليُكمل التصميم والإخراج الفني وضع الرسم في إطار تحاول الشخصيات الخروج عنه لقصة أخرى، وكذلك تم اختيار نوعين للخط ليؤكد الفكرة ذاتها بين ما يحدث في زمننا الحالي وحكايات تعود إلى (ألف ليلة وليلة)، فكان عمل جماعي متناغم».

تنقل الفنان

إلى جانب ممارستها للرسم فإن سحر تُكرس وقتًا لمطالعة تطور مجال الرسوم بشكل عام في العالم، باعتبار أن البحث الدائم بين ما يُشكل تاريخنا، ووعينا الثقافي، وبين كل الجديد الذي يطرأ على مجال الرسوم، يجعل الرسام أكثر معرفة بما يرسم، وبما يطمح أن يُقدمه، على حد تعبيرها.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

 وتعتبر أن تجربة الاستقرار في كندا،  منذ عام 2017، لها أثر كبير أيضًا في هذا البحث والاطلاع، الذي يفيد الفنان: «بين مصر وكندا تنتقل معي الشخصيات و تتطور، ويزداد الارتباط بالجذور والبحث عن الهوية وتزداد الأسئلة، فالتنقل يُضاعف الخبرات و يوسّع مجال الرؤية، و لكنه أيضًا يدفعك للبحث عن وطنك مرات ومرات».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى